
شعر أن ما تبقى من العمر لم يعد كثيراً.. وتفتحت أمام عينيه بؤرة السنوات الماضية.. أخذ القلب ينبض بكل معالم حبه القديم.. مازال وجهها مزروعاً في الشرايين. أهل المخيم وصفوه بالجنون، أمره حيرهم وجعلهم لا يعرفون شيئاً.. ظنوا في البداية أن حبه لفتاة اسمها وعد مجرد خيال أو وهم، إذ كيف لهذا الرجل، الذي ترك البيت والشارع عارياً إلا من حزنه ودمعه، أن يتذكر فتاته ويصرّ على أنها ما تزال على حبه بعد مرور كل هذه السنوات.. أقنعوه بالنسيان والزواج من أخرى، فما اقتنع.. جادلوه وناقشوه فما وصلوا معه إلى شيء.. كانت وعد هي القلب والشريان والحلم.. يقف في هذا الشارع أو ذاك وينتظر.. يصرّ على أنها ستعرف أين هو، وسترسل له أي شيء تعبر فيه عن حبها وانتظارها.. كم تمنى أن يبحث عنها.. معاً سيرقصان رقصة اللقاء.. ستزهر الأرض أقحوان فرح.. نسي أهل المخيم أمره، أو تناسوه.. وما استطاع أن ينسى.. وهاهي السنوات ترحل..
حين ضحك ابن أختها الشاب، نهرته.. كانت تعرف أنه ينتظر.. تحكي القصة عن حب قديم مقيم، تصف ملامح الحبيب الغائب وكأنه مازال أمام العين.. تقول: كان عبد الرحيم يأخذ يدي ويذهب حتى حدود الحلم.. معاً كنا نصطاد نجوم الأمنيات.. وكانت الفاجعة يوم الرحيل، لا تستطيع بعد كل هذه السنوات أن تتماسك.. تترك لدموعها العنان، تبكي بحرقة وكأن ما حدث حدث قبل ساعات قليلة.. في وعيها ووجدانها أنه سيعود، وسيعرف أنها في هذا المكان تنتظر.. تطارد جنود الاحتلال بالحجارة وتنتظر.. تساعد الأطفال والنساء والرجال وتنتظر.. تكتب على الجدران بخط عريض "إنهم عائدون" وتنتظر.. تنظر إلى الشعرات البيض في رأسها وتنتظر.. يضحك ابن أختها الشاب.. وتنهره ثم تنتظر..
كان يعرف أنها تركت حيفا عند اللجوء وذهبت إلى أحد المخيمات.. لكنه لا يعرف إلى أين.. الشيء الوحيد الذي بقي له هو الانتظار والسؤال.. سأل الناس والفضاء والطيور.. سأل الشوارع والهواء والماء.. دون جدوى.. لا أحد يعرف شيئاً عن وعد.. حلم العودة الذي بقي مقيماً في العين والقلب، كان يشعل فتيل الأمل بأنهما سيلتقيان.. أحياناً كانت ترتسم الصورة أمام عينيه فيراها هناك في حيفا، عندها كان ينتظر.. وابتسامة عريضة ترتسم فوق شفتيه.. وهاهي السنوات تذهب.. تفرّ من بين الأصابع.. فماذا يفعل..؟؟
أخرجت ورقة وقلماً وكتبت: "هنا في مخيم الدهيشة الذي يشتعل مواجهة ورفضاً.. مازلت أنتظر "ثم وبعد أن كتبت أسفل الورقة الصغيرة "حبيبتك وعد" طوتها وربطتها حول حجر.. وضعت الحجر في المقلاع.. وإلى البعيد البعيد قذفته.. ضحك ابن أختها حين انطلق أنين جندي الاحتلال بعد أن أصابه الحجر في وجهه.. نهرته.. صاحت "لابد أن تصل الرسالة" أشار الجندي نحوها.. حاول ابن أختها أن يبعدها، لكن الرصاصات التي استقرت في القلب تماماً، كانت أسرع منه.. بكى ابن أختها الشاب.. بحرارة بكى وحملها.. قالت قبل أن تغمض عينيها "بالله عليك.. قل له إنني انتظرته حتى آخر لحظة في حياتي "هزّ الشاب رأسه، وترك دموعه تسقط فوق جرحها المفتوح..
على الورقة البيضاء كتب "مازلت أنتظر" مسح دمعة أخذت تسبح فوق خده.. لا يدري لماذا انقبض قلبه فجأة.. هكذا صاح.. تمدد على السرير.. كرت السنوات أمام عينيه .. ضحكت البنت الصغيرة ونادته ..كانت شوارع حيفا مغسولة بالمطر ..معاً وقفا على الرصيف.. ركضا.. رسما الأيام القادمة بألوان زاهية.. ضحكت وعد.. ضحك عبد الرحيم.. ثم أغمض عينيه ورحل..
للشاعر ...طلعت سقيرق
حين ضحك ابن أختها الشاب، نهرته.. كانت تعرف أنه ينتظر.. تحكي القصة عن حب قديم مقيم، تصف ملامح الحبيب الغائب وكأنه مازال أمام العين.. تقول: كان عبد الرحيم يأخذ يدي ويذهب حتى حدود الحلم.. معاً كنا نصطاد نجوم الأمنيات.. وكانت الفاجعة يوم الرحيل، لا تستطيع بعد كل هذه السنوات أن تتماسك.. تترك لدموعها العنان، تبكي بحرقة وكأن ما حدث حدث قبل ساعات قليلة.. في وعيها ووجدانها أنه سيعود، وسيعرف أنها في هذا المكان تنتظر.. تطارد جنود الاحتلال بالحجارة وتنتظر.. تساعد الأطفال والنساء والرجال وتنتظر.. تكتب على الجدران بخط عريض "إنهم عائدون" وتنتظر.. تنظر إلى الشعرات البيض في رأسها وتنتظر.. يضحك ابن أختها الشاب.. وتنهره ثم تنتظر..
كان يعرف أنها تركت حيفا عند اللجوء وذهبت إلى أحد المخيمات.. لكنه لا يعرف إلى أين.. الشيء الوحيد الذي بقي له هو الانتظار والسؤال.. سأل الناس والفضاء والطيور.. سأل الشوارع والهواء والماء.. دون جدوى.. لا أحد يعرف شيئاً عن وعد.. حلم العودة الذي بقي مقيماً في العين والقلب، كان يشعل فتيل الأمل بأنهما سيلتقيان.. أحياناً كانت ترتسم الصورة أمام عينيه فيراها هناك في حيفا، عندها كان ينتظر.. وابتسامة عريضة ترتسم فوق شفتيه.. وهاهي السنوات تذهب.. تفرّ من بين الأصابع.. فماذا يفعل..؟؟
أخرجت ورقة وقلماً وكتبت: "هنا في مخيم الدهيشة الذي يشتعل مواجهة ورفضاً.. مازلت أنتظر "ثم وبعد أن كتبت أسفل الورقة الصغيرة "حبيبتك وعد" طوتها وربطتها حول حجر.. وضعت الحجر في المقلاع.. وإلى البعيد البعيد قذفته.. ضحك ابن أختها حين انطلق أنين جندي الاحتلال بعد أن أصابه الحجر في وجهه.. نهرته.. صاحت "لابد أن تصل الرسالة" أشار الجندي نحوها.. حاول ابن أختها أن يبعدها، لكن الرصاصات التي استقرت في القلب تماماً، كانت أسرع منه.. بكى ابن أختها الشاب.. بحرارة بكى وحملها.. قالت قبل أن تغمض عينيها "بالله عليك.. قل له إنني انتظرته حتى آخر لحظة في حياتي "هزّ الشاب رأسه، وترك دموعه تسقط فوق جرحها المفتوح..
على الورقة البيضاء كتب "مازلت أنتظر" مسح دمعة أخذت تسبح فوق خده.. لا يدري لماذا انقبض قلبه فجأة.. هكذا صاح.. تمدد على السرير.. كرت السنوات أمام عينيه .. ضحكت البنت الصغيرة ونادته ..كانت شوارع حيفا مغسولة بالمطر ..معاً وقفا على الرصيف.. ركضا.. رسما الأيام القادمة بألوان زاهية.. ضحكت وعد.. ضحك عبد الرحيم.. ثم أغمض عينيه ورحل..
للشاعر ...طلعت سقيرق
0 تعليق:
إرسال تعليق